Site icon Akhbar Lobnan

واقع الحال في العالم العربي

كتب: رياض الحسيني

لا مبالغةً في القول إنّ العالم العربي يقف اليوم أمام أخطر مفترقٍ طرقٍ منذ عقودٍ.

فما جرى في الدوحة منذ أيام لم يكن حادثًا عابرًا، بل كان إعلانًا صريحًا بأنّ الاستباحة لم تعد استثناءً، وأنّ سيادة الدول العربية أصبحت على طاولة تصفياتٍ دولية. لقد تحوّل الصراع من نزاعٍ محدود في جبهات معلومة، إلى نزاعٍ بلا حدود جغرافية، يدخل العواصم، ويهدّد اقتصادات، ويفرض على شعوب أثمانًا باهظةً.

إسرائيل تسعى، ومعها الولايات المتحدة، إلى صياغة خريطة جديدة للمنطقة على أنقاض دول هشّة وأنظمة متصدّعة، فيما الدول العربية، بكلّ أسف، ما زالت تكتفي ببيانات, وتغرق في حسابات داخلية ضيّقة. لقد تحوّل الصراع من نزاع محصور في غزّة وجنوب لبنان وسوريا، إلى مواجهة تتخطّى جغرافيا واسعة لتطال قلب عواصم عربية. إنّ استهداف قيادات فلسطينية في قطر كشف هشاشة المظلّة العربية، وأظهر كيف أصبح قرارها الإقليمي مُصادَرًا من الخارج.

من الدوحة إلى بيروت ودمشق وبغداد…. لبنان يقف على حافة حرب شاملة قد تعصف بما تبقّى من دولة ومؤسسات. سوريا تُستنزف كخط إمداد، بينما شعبها لا يزال تحت ركام منذ أكثر من عقد. العراق يختنق بين نفوذ ميليشيات وضغط من واشنطن، مهدَّدًا بأن يتحوّل إلى ساحة لتصفية حسابات كبرى.

الخليج يعيش هاجسًا أن يصبح خطًّا لمواجهة مباشرة في حال انفجر صراعٌ مع إيران. مصر وتونس دخلتا دائرةَ تهديد، الأولى بسبب موقعها الاستراتيجي ودورها كوسيط، والثانية بسبب مواقفها السياسية ورمزيتها الشعبية. إنّ ما يجمع كلّ ساحات هذه الدول، أنّها باتت أوراقًا على طاولة لكبار، تُستخدم حينًا، وتُستنزف حينًا آخر، بينما تغيب “رؤية عربية واحدة”.

هناك أزمة عربية شاملة، ليس في قوّة لعدو فقط، بل في ضعف داخلي… الخلل الأكبر ليس في الخارج، بل في الداخل، في غياب لإرادة عربية موحّدة. الجامعة العربية تحوّلت إلى مؤسسة بلا أنياب، وعواصمُ عربية متناحرة أكثر ممّا هي متضامنة. وهكذا يُترك مصير الأمّة رهينة لمعادلات خارجية. غيابٌ لرؤية عربية موحّدة.

تفكّك لقرار بين عواصمَ. غياب لمؤسسة فاعلة تحمي أمنًا قوميًّا عربيًّا. هكذا تُركت دولٌ مكشوفة، ومصائرُنا رهينة لإرادة خارجية. فما المطلوب اليوم؟

رغم قتامة المشهد، فإنّ حلًّا ليس مستحيلًا، لكنه يتطلّب شجاعة… مطالبةٌ بقمة عربية طارئة تُعيد اعتبارًا لمفهوم الأمن القومي العربي المشترك، وتضع خطوطًا حمراء لأيّ اعتداء خارجي. تحييدٌ لدول هشّة كلبنان وتونس عن ساحات الحروب بالوكالة، عبر اتفاق إقليميٍ برعاية دولية.

ربطٌ لأيّ تفاوض بحلٍّ جذري للقضية الفلسطينية، بدل السياسة الترقيعية التي ثبت فشلُها. إصلاحٌ سياسيٌّ واقتصاديٌّ داخليٌّ يُحصّن مجتمعات عربية ضد استغلال خارجي، ويُعيد ثقةً لشعوبٍ بدولها. إنّ ما نواجهه اليوم ليس أزمة عابرة، بل لحظةً مفصلية في تاريخ العرب. إمّا أن نستعيد زمامَ المبادرة بقرارٍ عربي مستقل، أو نُدفن جميعًا تحت ركام الفوضى.

التاريخ لا يرحم متردّدين، والأمم لا تُبنى ببيانات بل بفعل وإرادة. لقد آن أوانٌ أن نرتقي إلى مستوى خطر، وأن نُثبت للعالم أنّ العرب لا يُهزمون حين يجتمعون… نحن اليوم أمام سؤال وجودي… هل نترك مصيرنا يُدار من الخارج، أم نستعيد قرارًا بأيدينا؟

التاريخ لا يرحم متردّدين، والفرص لا تأتي مرتين. إمّا أن تُبنى رؤية عربية جديدة تُنقذ ما تبقّى من أوطان، أو أن ندخل زمنًا من فوضى لن يخرج منه أحدٌ سالمًا. إنّ قرارًا عربيًّا مستقلًّا ليس ترفًا، بل هو الشرط الوحيد لبقائنا ضمن بورصة الموجودين دوليا” و انسانيا” …

“ان الحياة عقيدة و جهاد”

Exit mobile version