محلية

البلديات إمبراطوريات دون حسيب ولا رقيب

كتب المحامي روك فغالي:

هل يحق للبلدية الكشف على مستودعات الصيدليات..في بداية الثمانينات كتبت اول دراسة عن قانون البلديات الصادر عام ١٩٧٧ .استفدت من تجربتي بالمساهمة بتأسيس اهم بلدية على ساحل المتن بصفتي كنت اليد اليمنى والمستشار القانوني للمرحوم والدي وهو الرئيس المؤسس لبلدية الحازمية التي أسست بدورها مدينة الحازمية بعد ان حولتها من مزرعة في أطراف بلدة بعبدا إلى اهم مدينة على ساحل بيروت الكبرى . وقد جمعت في دراستي النظري والتطبيق .

وان فترة تدرجي بمكتب عميد كلية الحقوق السابق في الجامعة اليسوعية البروفسور فايز الحاج شاهين كانت كافية لاعطائي العلم القانوني النظري فيما تجربتي مع المرحوم والدي بتأسيس بلدية كانت كافية لاعطائي التجربة العملية. لاسيما وكنت المحامي الأول لهذه البلدية حيث كنت مضطرا إلى تفسير القوانين البلدية والاجتهاد لا بل تشريع أنظمة لها صفة الإلزام .وهذا ما جعل دراستي تمتاز عن باقي الدراسات كونها تجمع من جهة النظري مع التطبيق وكونها من جهة اخرى كانت الأولى بعد صدور قانون ال ٧٧ حيث طرحت في هذه الدراسة ، لأول مرة فكرة الحل عن طريق اللامركزية الإدارية الموسعة . فكان عنوان دراستي التي طبعتها :” قانون البلديات هل يكون المدخل إلى الحل ” وكنت اقصد حل القضية اللبنانية والنزاعات الطائفية التي كانت على اوجها في ذلك الوقت .


لنعد إلى موضوعنا وهو هل يحق لرئيس البلدية ان يكشف على مستودعات الصيادلة . بالواقع ان قانون البلديات الصادر بعد حرب السنتين وبعد الطروحات التقسيمية أعطى رئيس البلدية سلطات امبراطورية اقوى من سلطة رئاسة الجمهورية يضاف إليها سلطة مجلس الوزراء مجتمعا ..وقد ظبط المشترع هذه الصلاحيات بان جعل انتخاب رئيس البلدية من الشعب مباشرة .على غرار الأنظمة الرئاسية .ولكن المؤسف أنه تم تعديل قانون انتخاب البلديات وجعل المجلس البلدي هو من ينتخب رئيس البلدية .ما غيب عنصر المراقبة المباشرة من الشعب وجعل المراقبة بيد أعضاء المجلس الذين هم حكما رفاق رئيس البلدية وهو الذي اختارهم في اللائحة المنتخبة .(فمن سيراقب من في هذه الحالة) .مما جعل هذه البلديات امراطوريات دون حسيب ولا رقيب. ما جعل قسما كبيرا منها امبراطوريات للفساد والإفساد..نعم ان الصلاحيات التي تمتلكها هذه البلديات هي غير محدودة .وردا على نقيب الصيادلة نقول ان الكشف على مستودعات الأدوية لهو من صلب صلاحيات البلديات.فالمادة ٧٤ من قانون البلديات وحدها تعطي رئيس البلدية دون المجلس البلدي أكثر من ٤٠ صلاحية .لا شك انها تعطيه من ضمنها صلاحية الاشراف ومراقبة عمل الصيدليات. لاسيما وأن البند الأخير من المادة ٧٤ المذكورة جاء فيه ” القيام ببعض الأعمال والإجراءات المستعجلة المتعلقة بالصحة العامة والسلامة العامة .

لاسيما وهو مسؤول على كل ما يختص بحماية صحة الافراد والصحة العامة .والمراقبة الصحية على كل المحلات التجارية وقد عدد بعضها القانون دون حصر .وتركها مفتوحة بعبارة “الخ..” ما يعني حتما ان الصيدليات هي من ضمن هذه المؤسسات والتي لم يستثنيها القانون ولم يصدر اي قانون يمنع مراقبتها . واذا كان من صلاحياته حماية الصحة والسلامة العامة أوليس تخزين الدواء يعرض السلامة العامة ومنعه عن المواطن يعرض الصحة العامة ؟


نعم أنه من صلاحياتها ولكن قانون انتخابها وإصرار السلطة الفاسدة على دعم الفاسدين مثلها والسماح لرئيس البلدية بالتجديد لنفسه عن طريق استغلال السلطة دون حسيب او رقيب .ودون وضع قانون يمنع التجديد لرئيس البلدية ما لم يمر فترة ولاية اسوة برئيس الجمهورية ونقيب المحامين وغيرهم جعل هذه البلديات غير مؤهلة للقيام بهذه المسؤوليات الأساسية. فهي مسؤولة حتى عن مراقبة محطات البنزين والعدادات ومنع التخزين . واذا بهم اليوم عوض ان يراقبوا المحطات لمصلحة المواطن تقوم بعضها باستعمال عناصرها واستغلال سلطتها للزعبرة وإعطاء الأفضلية لزبائنتها على حساب باقي المواطنين .
واخيرا ان رئيس بلدية الغبيري كان من صلاحياته الكشف على مستودعات الصيادلة ولكن كان من المستحسن التعاون والتنسيق مع وزارة الصحة .


وحبذا لو ان وزير الداخلية قرأ ما كتبناه منذ بداية عهده بان يستفيد من صلاحيات البلديات .شرط ان يطلب مؤازرة الجيش او جهاز امن الدولة فيرسل إلى كل بلدية عنصرا من عناصر الجيش او امن الدولة شرط استبداله شهريا للتنسيق بين البلديات والوزارة بحيث يكون بالوقت نفسه هذا العنصر مراقبا من قبل وزارة الداخلية لتصحيح مسار البلديات وإعادة تأهيلها وضبط تجاوزاتها .ولكن للاسف هناك من لا يقرأ وهناك من لا يريد أن يقرأ واذا قرأ هناك من لا يفهم وهناك من لا يريد أن يفهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى