السياحة في لبنان 2025: انتعاش واعد بعد سنوات من الأزمات

بيروت تنال «حصة الأسد» من الاحتفالات
كتب رياض الحسيني

العمل يسير في اتجاهين اثنين في لبنان، لاستعادة نكهة الصيف بمذاق ما قبل الأزمة. تحضّر المهرجانات الكبرى مثل «بعلبك» و«بيت الدين» و«بيبلوس» لتنظيم ما تجده مناسباً من الأنشطة، كل في منطقته خلال شهر يوليو (تموز)، وتسهم هذه المهرجانات مجتمعة، في الوقت نفسه بإحياء مهرجان وطني جامع في بيروت، يستمر أسبوعاً في شهر أغسطس (آب).
يريد وزير السياحة اللبناني وليد نصّار، تغيير المشهد الحزين الذي يخيم على العاصمة اللبنانية، منذ انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس 2020، كل الصعاب بالنسبة له يمكن تذليلها بالإرادة والتعاضد. لهذه الغاية لا يتعب من عقد لقاءات دورية مع مسؤولي المهرجانات الرئيسية، للتنسيق والتشاور، وطرح المبادرات، منذ أكثر من شهرين. وشكلت لجنة توجيهية، في 16 مارس (آذار) الماضي، لهذا الغرض، تضم مجموعة من المعنيين في المجال.
بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ الرئاسي، وانعكاسات حرب غزة 2023 على الداخل اللبناني، وتدهور الوضع الاقتصادي، يدخل لبنان صيف 2025 على وقع تحوّل سياسي كبير وبوادر انتعاش سياحي تبدو واعدة، مقارنةً بالأعوام السابقة.

انتخاب رئيس وتشكيل حكومة: بداية صفحة جديدة
في 9 كانون الثاني 2025، انتُخب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، بعد توافق داخلي ورعاية إقليمية ودولية أعادت التوازن إلى المشهد اللبناني. وعلى الأثر، شُكلت حكومة العهد الأولى برئاسة القاضي نواف سلام، ما اعتُبر خطوة أساسية نحو استعادة الثقة الداخلية والخارجية، وعودة المؤسسات الدستورية إلى العمل.
هذا التقدّم السياسي السريع ساعد في تحسين صورة لبنان في الخارج، وساهم في استعادة التواصل مع الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، التي كانت قد جمّدت أو خفّضت دعمها للبنان في السنوات السابقة.
أرقام 2023 و2024: السياحة تحت تأثير الأزمات
في عام 2023، سجّل لبنان أحد أدنى معدلات السياحة في العقد الأخير، خاصةً بعد اندلاع الحرب في غزة وتوتر الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية. وفقًا لبيانات وزارة السياحة، لم يتجاوز عدد الوافدين 1.2 مليون سائح في 2023، مقارنة بـ1.7 مليون في 2022.
عام 2024 لم يكن أفضل بكثير، حيث استمر الفراغ الرئاسي للسنة الثانية، مما أدى إلى بقاء السياحة في حالة شبه ركود، وبلغ عدد السياح نحو 1.35 مليون، معظمهم من اللبنانيين المغتربين وبعض الزوار العرب الذين يملكون ارتباطات شخصية في البلاد.
2025: صيف العودة إلى لبنان
مع بداية العام 2025، تغيّرت المعادلة. انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة، إلى جانب تقارب عربي ـ لبناني أعاد دفء العلاقات، خصوصًا مع السعودية والإمارات ومصر، أسهم في تحريك عجلة الاستثمار والسياحة. شهدت الفنادق الكبرى في بيروت وجبل لبنان والبقاع نسبة حجوزات مبكرة تجاوزت 85% لشهري تموز وآب، مقارنة بـ45% فقط في صيف 2024.
كذلك أعادت بعض شركات الطيران الخليجية رحلاتها اليومية إلى بيروت، في مؤشر واضح على الثقة المتجددة بالسوق اللبناني.
وجهات سياحية جديدة وسياحة بيئية نامية
لبنان لم يعد يراهن فقط على البحر والمهرجانات، بل بدأ يوسّع عروضه السياحية. القرى الجبلية مثل إهدن، البترون، دوما، وبشري بدأت تشهد نهضة في خدمات الضيافة البيئية والريفية. كذلك سُجّل ارتفاع في الطلب على برامج “الهايكينغ”، وسياحة النبيذ، والمغامرات الجبلية.
تشير التقديرات إلى أن عدد السياح قد يتجاوز 1.6 مليون زائر في صيف 2025، مع توقعات بارتفاع معدل الإنفاق السياحي بفضل استقرار سعر الصرف وتراجع كلفة الخدمات بالعملة الأجنبية. كما يُنتظر أن يكون للمغتربين دور أساسي في إنعاش الصيف، إلى جانب الزوار العرب الذين بدأوا بالعودة إلى السوق اللبناني تدريجيًا.
صيف لبنان 2025 ليس كلبنان 2023 و2024. بين انتخاب رئيس، تشكيل حكومة كفوءة، وعودة الدعم العربي، يجد لبنان نفسه اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة وإحياء قطاع حيوي كالسياحة. فهل تكون هذه الانطلاقة بداية استقرار طويل الأمد؟ الأمل كبير، والطريق بدأ يُرسم بثبات.


