مجتمع

الصعوبات التعلميّة… تحدّي العصر

بقلم: الناقدة ناديا قاسم عطوي

بالرغم من تقدم الزمن، ومرور العصور، لازال الجهلُ يخيّم على بعض العقول المتحجرة التي ترفض اللّحاق بقطار الرقيّ الفكريّ…ففي مجتمعاتنا الطفل المتأخّر في التحليل والفهم “غشيم” والذي لا يكتسب القراءة أو الكتابة “فاشل”…وتسميات فظّة تطلقُ على كلِّ حالةٍ من حالاتِ التأخّرِ الدراسيّ، تزيد الطين بلّة! وتلك العقول المتحجرة آخر من يعلم بأنَّ عقولًا نيّرةً تعمل بكدٍّ لحلِّ مشكلاتٍ وقع فيها أطفالٌ أبرياءُ من كلِّ تلك التسميات!
ساهم التقدم العلمي السريع في انتشار العلوم الإنسانية على جميع الصعد وخاصّة العلوم التي تتناول السلوك البشريّ بالبحث والدراسة والتدقيق والملاحقة، وذلك بهدف التحسين المستمر من النوع البشريّ وصولًا إلى المثاليّة والكمال.
في خضمّ ذلك، ظهرت العديد من النظريات والقوانين والدراسات التي وضعها علماء النفس والتربية والاجتماع، والتي تتناول أمور الإنسان النفسية والسلوكية والتعلميّة والاجتماعيّة، واتفقت أنّ العمر الأفضل لبناء الفرد يبدأ من الطفولة، بل ومن رحم الأمّ. وبصدد ذلك ظهرت عدة نظريات تداركت جوانب الطفولة ومشاكلها والظواهر التي ترافق هذه الفترة العمرية من حياة الانسان وتؤثّر سلبًا على مستقبله أو تستمرُّ معه طوال حياته.
من أهم الجوانب التي أضاء عليها علماء النفس والتربية: الجانب التعليميّ والقدرة على التقدم التعلميّ السليم. ومن خلال هذه الدراسات برزت ظاهرة الصعوبات التعلميّة. فما هي هذه الصعوبات ومن هم أطفال الصعوبات التعلميّة؟ وما هي أشكالها؟ وكيف يتم تشخيصها؟ وما هي أسبابها؟
الصعوبات التعلميُة هي تسمية لظاهرة يعاني منها عدد من أفراد المجتمع من مختلف الفئات العمرية والجنسية. وهي تتجسد في عدم القدرة أو التأخّر في اكتساب المعارف والمعلومات وإتمام المهام السهلة منها أو الصعبة مقارنةً بالأشخاص الأصحّاء من نفس الفئة العمريّة. وتتفاوت نسبة الصعوبات التعلميّة بين فرد وآخر وذلك لارتباطها بالعوامل المؤثرة المباشرة وغير المباشرة.
أطفال الصعوبات التعلميّة هم الفئة العمرية الأكثر استهدافًا في هذا المجال، وذلك لأنه من السهل تطويعهم وبناء شخصياتهم وتكوين أدمغتهم وتقويم مشكلاتهم والتأثير عليهم على عكس الأشخاص البالغين.
ينتمي إلى فئة الصعوبات التعلميّة الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، عسر الكتابة، عسر التحليل، عسر الحساب، عسر الحفظ والاسترجاع، متلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه، إضطراب التواصل، اضطراب الكلام…
يتم تشخيص أطفال الصعوبات التعلميّة من خلال الأعراض التي ترافق كل نوع من الصعوبات المذكورة، بالإضافة إلى مساعدة علماء النّفسِ لتحديد المشكلة بشكل أوضح. فلكل صعوبةٍ ما يميّزها عن غيرها وقد تجتمع أكثر من صعوبة في الطفل الواحد.
أسباب الصعوبات التعلميّة كثيرة ومختلفة ومتفاوتة، من أهمها: الوراثة، الخلل النفسي، الخلل الوظيفي للدماغ، الخلل الجسدي العضويّ، العدوى أو سوء التغذية أثناء الحمل، تعثّر الولادة… هذه الأسباب تؤدي إلى صعوبات تعلمية حادّة ومتوسّطة، أَضف إلى ذلك الصعوبات التعلميّة الطفيفة والتي تعود أسبابها إلى أنماط العيش المختلفة التي ينمو في وسطها الطفل، وتتمثّل في صعوبات القراءة والكتابة والتحليل والحساب بشكلٍ ملحوظ، بحيث تختفي المسببات الأخرى الأكثر شيوعًا لأطفال الصعوبات التعلمية. فالمحيط المشحون بالسلبيات يسهم في زيادة تعرّض الأطفال الأصحّاء لمواجهة صعوبات تعلميّة تمنعهم من القدرة على التقدم العلميّ الطبيعيّ مقارنةً بأقرانهم ممن هم في محيطٍ معيشيّ أفضل.
يجب على الأهل، وعلى الأمِّ خاصّةً متابعة أطفالها والتنبّه إلى سلامة وضعهم التعلميّ وطلب المساعدة من الاختصاصيّن إن احتاج الأمر، وذلك دون خجلٍ أو شعورٍ بالإحباط، فأكثر المشكلات يمكن تداركها منذ الصغر وخاصّة الصعوبات التعلميّة، فذلك يتيح المجال أمام الاختصاصيّن لتقديم العون للطفل وتنمية مهاراته وتوجيهه والعملِ على انتشاله من بين براثنِ مجتمعٍ لا يرحم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى