مقابلات

هل الورقة الفرنسية كافية لانقاذ لبنان؟

كتب: وليد صليبي

يعول الشعب اللبناني على الخارج لانقاذ البلاد من الانهيار بعد ان نفدت الحلول المحلية. من بين اصدقاء لبنان، اظهرت فرنسا تعاطفا مع لبنان خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت الدامي الذي خلّف خسائر تقدر قيمتها ب 15 مليار دولار. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زار بيروت مرتين بعد الانفجار. واظهر تعاطفا مع الشعب في الشارع ووضع ورقة اصلاحية للسياسيين للالتزام بها. تطبيق الاصلاحات الواردة في الورقة الفرنسية هو السبيل الوحيد للبنان للحصول على المساعدات الدولية، بحسب ما صرح به ماكرون.

في محاولة لاستكشاف الورقة الفرنسية بما لها وما عليها قرر موقع اخبار لبنان اجراء مقابلة مع المستشار الاقتصادي البارز “روي بدارو”.    

قال بدارو ان “ماكرون اظهر اندفاعا باتجاه لبنان لعدة اسباب بينها الثقافية والماضي الاستعماري والتواجد السياسي الفرنسي في الشرق الاوسط عبر البوابة اللبنانية وقضية اللاجئين السوريين في اوروبا وبشكل خاص مصالح فرنسا الاقتصادية بما يتعلق بالغاز والنفط والصادرات الفرنسية.”

عندما سئل كيف يصف الورقة الفرنسية، اجاب بدارو ان “الورقة تتضمن بعض النقاط التي تعتبر تمنيات غير واقعية والتي تناسب بلدا اوروبيا لا لبنان حيث الاصلاح مستحيل في ظل وجود النظام الفاسد وسلاح حزب الله.”

الورقة الفرنسية ليست خرقا للسيادة بحسب بدارو الذي اضاف ان “فرنسا قدمت نصيحة للبنان عبر هذه الورقة التي تعتبر حيوية لتجنيب الشعب اللبناني المجاعة.”

بدارو كان من ضمن مجموعتين رسميتين كتبتا اوراقا مشابهة للورقة الفرنسية في 2018 و 2019 من دون ان تطبق. قال بدارو ان “الفرق مع الورقة الفرنسية هو انها مصحوبة بضغط خارجي” موضحا ان “الورقة الفرنسية هي ورقة اصلاحية لا خطة اقتصادية ومالية شاملة.”

قال بدارو ان “لبنان متأرجح بين مشروعين غربي وشرقي ما جعله بدون قرار كسفينة في بحر هائج بلا ربان واحد بل متعدد الربان.”

من بين النقاط الاساسية في الورقة الفرنسية هو النصح المقدم للحكومة اللبنانية لتواصل مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.

قال بدارو ان “الطرفين لن يتوصلا الى اتفاق الا اذا اتخذت الحكومة اللبنانية قرارات مؤلمة” مضيفا ان “الالم يجب ان يتوزع وهو في الاغلب يرمى على الشرائح الفقيرة.” 

اضاف بدارو ان “من بين مطالب صندوق النقد الدولي تحرير سعر صرف الليرة ما يدفع الشعب اللبناني الى مواجهة الحقيقة من دون تمويه ومن دون العيش فوق مستوى امكانياته.”

وتابع يقول ان “من بين نقاط ضعف الورقة الفرنسية خلوّها من الدعوة لاصلاح النظام السياسي واقتصار الاصلاح في هذا المجال على قانون الانتخاب” مشيرا الى ان “السلطات الفرنسية تدرك جيدا ان اصلاح النظام اللبناني لن يحصل في ظل ترسانة حزب الله.”         

يعتبر بدارو ان عملية الاصلاح تبدأ عندما تصبح الاحزاب اللبنانية متساوية وتجلس حول الطاولة من دون ان يملك اي منها فائض قوة او فائض ضعف.

وقال ان “الورقة الفرنسية تخلو من الدعوة للدعم العاجل للمشاريع المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تحتاج لتمويل خارجي يبلغ حوالي مليارين دولار لمجرد ان تحيا” مشيرا الى ان “المايكروفاينانس قد يكون افضل وسيلة للوصول الى الشرائح الاكثر فقرا.”

وتابع يقول ان “اقتصار التدقيق الجنائي على المصرف المركزي هو احدى نقاط الضعف في الورقة الفرنسية بما ان التدقيق يجب ان يكون عاما وشاملا خاصة في المؤسسات التي شهدت صفقات مشيرا الى ان “قانون السرية المصرفية قد يؤخذ ذريعة لعرقلة التدقيق الذي لن يصل الى خواتيم سعيدة”.

وقال ان “البلد بنظامه الحالي قد دمّر بما انه قطع مرحلة الدولة الفاشلة.”

اضاف “نحن الان في جهنم بخاصة اولئك الناس الذين تقل مداخيلهم عن مليون ليرة”.

وقال ان “بوابة الاصلاح هي سياسية وذلك مستحيل في نظام متعدد الرؤوس” مضيفا ان “الاصلاح السياسي غير متضمن في الورقة الفرنسية كونه قضية جدلية.”

يرى بدارو ان الورقة الفرنسية تتضمن بنود الحد الادنى المقبولة من قبل مختلف الاحزاب اللبنانية مشيرا الى ان الانتفاضة لم تقدر على تغيير النظام الطائفي “الذي قد يتحول تدريجيا الى فدرالية بعد ثلاث الى اربع دورات انتخابية منذ الان.”

وأكد بدارو أن الورقة الفرنسية تطالب بإجراء مسح للإدارة العامة دون الإشارة إلى ضرورة تقليص الأعداد الهائلة لموظفيها.

“الخصخصة، التي هي احد مطالب صندوق النقد الدولي، سوف تكون كارثة كون سعر المؤسسات العامة المعنية رخيص وكون النظام الحالي غير صالح لعملية شفافة ونزيهة”، وفقا لبدارو.

وقال بدارو ان الورقة الفرنسية يشوبها الخطأ عندما تدعو في ظل هذا الجو من الفساد والمحسوبية والافلات من العقاب الى تعيين هيئات ناظمة لعدد كبير من الخدمات العامة ما يحفز المحاصصة السياسية مشيرا الى انه يفضل في الوقت الحالي ان تكون هذه الخدمات محكومة من قبل الوزراء ليتحملوا مسؤولية قراراتهم.

الى ذلك، تدعو الورقة الفرنسية الى الرفع التدريجي لرسوم الكهرباء بدءا بالناس الاكثر اقتدارا. وردا على سؤال حول هذا الموضوع، قال بدارو إنه “من المنطقي ان تخفض تكاليف الكهرباء قبل ان ترفع رسومها.” وأضاف أنه “يتعين على الحكومة التفكير خارج الصندوق من خلال إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وان تكون جزءًا من الكابل البحري الأورو- أفريقي الذي تصل طاقته إلى 2000 ميغاوات والمتوجه من مصر نحو أوروبا والذي سيوفر التيار الكهربائي للناس بأسعار في متناول الجميع.”

وقال “كما تدعو الورقة الفرنسية ، فإن اصدار قانون الكابيتال كونترول ضروري بعد أن تبخرت دولارات الشعب” مشيرا الى انها “دفعت على سياسة الدعم بالإضافة إلى القلة السعيدة التي استفادت من غياب هذا القانون”.

واضاف ان “الكارثة في لبنان بدأت مع تثبيت سعر الصرف الذي حجب الاختلالات على مدى الثلاثين سنة الماضية” مشيرا الى ان “ذلك اضر بالبلد من خلال اخفاء السعر الحقيقي للسلع.”

واكد بدارو إن “تحرير سعر الصرف سيوقف مافيات الصرف النقدي”، مضيفًا أن “النظام المصرفي يجب أن يتوقف عن رفض تحمل الخسائر.”

وقال ان “فرنسا تريد حكومة غير حزبية في لبنان لكنها قبلت بعودة الرئيس سعد الحريري كملاذ اخير.”

اشار بدارو الى ان “أفضل طريقة لإعادة بناء مرفأ بيروت هي تقسيم إعادة الاعمار من خلال عقود بي أو تي شفافة كون الدولة اللبنانية قد افلست.” جدير بالذكر أن الورقة الفرنسية تطالب باستدراج عروض لإعادة اعمار مرفأ بيروت.

“فيما يتعلق بالمساءلة ، لدينا خياران: إما محاسبة السياسيين الفاسدين الذي سيستغرق فترة من 10 إلى 15 عامًا أو رسم خط والبدء من جديد بشرط بناء نظام فيدرالي”، حسب بدارو.

قال بدارو إن “المستشارين الأجانب لديهم وجهة نظر غربية لبلد شرق أوسطي فهم لا يفهمون السياسات اللبنانية المعقدة والحساسة.”

وأضاف أنه “إذا تضمنت الورقة الفرنسية إصلاح النظام ، فسيتم رفضها من قبل الأحزاب السياسية المختلفة”.

وقال بدارو إن “الورقة الفرنسية هي الحد الأدنى المطلوب للإصلاح الاقتصادي”، مضيفًا أن “السلطة الفرنسية تعول على طبقة سياسية لبنانية جديدة حيث ستنتهي صلاحية الطبقة الحالية قريبًا”.

وأوضح بدارو أن “بوابة الإصلاح المالي في لبنان تبدأ بإلغاء وزارة المالية وتأسيس وزارتين بدلاً منها هما وزارتي الموازنة والخزانة”.

قال بدارو إن “نزع سلاح حزب الله والفلسطينيين وجميع الميليشيات الأخرى هو مفتاح الحل في لبنان والذي سيسمح بالإفراج عن مساعدات صندوق النقد الدولي.”

وأشار بدارو إلى أن “النهج الفرنسي معتدل تجاه حزب الله لأنه يأخذ في الاعتبار المصالح الفرنسية الإيرانية المشتركة سواء في الغاز أو في منشأة تصنيع رينو أو حقل بارس للغاز أو غيرها من المصالح.”

وأشار بدارو إلى أن “هذه المصالح المشتركة تجعل المواقف الفرنسية والأمريكية متميزة في التعامل مع حزب الله”، مضيفًا أن “السلطات الفرنسية تتفاوض مع حزب الله لتمرير مرحلة لحين حدوث تغيير في الظروف العالمية والإقليمية”.

ومع ذلك ، قال بدارو ، إن “الولايات المتحدة من المحتمل أن تمنح فرنسا دور الكشاف في لبنان قبل اتخاذ القرارات الجادة” ، مضيفًا أن “لبنان مرتبط بنكيا بامريكا لأن عملته مرتبطة بالدولار الأمريكي”.

وقال إن “الورقة الفرنسية ليست وصفة خلاص للبنان”، مضيفاً أن “الحل في احتكار الدولة اللبنانية للسلاح وإقامة نظام فيدرالي يضع الاقتصاد على المسار الصحيح”.

وقال بدارو إن “البراغماتية الفرنسية عادة ما تقدم بدائل ، وهو ما يختلف عن الوضع اللبناني الآن حيث لا توجد خيارات أخرى للطبقة السياسية”.

وأشار بدارو إلى أن “السلطات الفرنسية لم تكن صارمة مع الطبقة اللبنانية الفاسدة مثل الأمريكيين”، مضيفًا أن “العقوبات الأمريكية ضد المسؤولين اللبنانيين عطلت مسار تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يعد مؤشرًا على الاختلاف التكتيكي في المواقف الأمريكية والفرنسية”.

وقال بدارو “لكن يبدو ان فرنسا اقتنعت مؤخرا بمسار التشدد مع الطبقة السياسية في لبنان عبر التحضير لعقوبات اوروبية بحق المعرقلين لمسار تشكيل الحكومة اللبنانية ما يجعل الموقف الفرنسي متماهيا مع الموقف الامريكي الصارم تجاه لبنان.”

خاص أخبار لبنان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى